قال السياسى الحزبى النافذ وبئس ما قال "إن التوزيع غير العادل للثروة أفضل من التوزيع العادل للبؤس والفقر " ، قالها ومضى كأنه قد قال قولا مأثورا ، أو أمتع آذاننا بعبارة بليغة معبرة تضاف إلى محفوظاتنا كتلك التى تستقر فى ذاكرة ووجدان الشعوب من أقوال الفلاسفة والحكماء والأدباء ويتردد صداها أزمانا مديدة، لم يدر الرجل أنه بتصريحه الصادم والمحبط هذا قد زاد الفكر" الجديد " الذى بشرونا به إفتضاحا ، وزادنا يقينا بأنه فكر بلا عقل ولا قلب ولا ضمير، عبر الفكر" الجديد"عن نفسه بلا مواربة أو تملق أو تجمل ، فلم يعد بحاجة إلى دغدغة عواطف المسحوقين والمطحونين والفقراء والمهمشين بعد أن أحكم قبضته على البلاد والعباد من طول الأمد فى السلطة ، وددت لو أن صاحب التصريح شاهد حلقات البرنامج القيم " واحد من الناس " الذى يقدمه الإعلامى المحترم " عمرو الليثى " حيث إنحاز البرنامج منذ الحلقة الأولى للناس البسطاء أصحاب التوزيع العادل للبؤس والفقر!! ، لو أنه فعل لرأى ما تتأذى به النفوس السليمة وتتألم له القلوب الرحيمة ، أسر فى قلب القاهرة فيما يسمى بالعشوائيات تعيش على دخول عشوائية جنيهات معدودات ، لا تجد السكن الآدمى ولا تستطيع أن تقضى حاجتها فى مكان ملائم للبشر وتعيش فى أماكن لا ترضى بها الحيوانات ، منطقة كاملة فى كفر الزيات تعد من أكثر مناطق العالم تلوثا يعانى أهلها من إرتفاع معدلات المرض الناشىء عن مخلفات مصانع أسمدة تنشر البؤس والمرض والموت على الجميع بعدالة منقطعة النظير !! ، الأهالى يقفون عاجزين قليلى الحيلة أمام شراسة وتوحش رأس المال الذى لا يرقب فى الضعفاء إلا ولا ذمة ، والغريب أن هذه المصانع على مرأى ومسمع من الحكومة والأهالى تصب مخلفاتها الملوثة فى النيل المصدر الوحيد لمياه الشرب لأولئك الذين لا يجدون عنها بديلا ولا يملكون ترف الحصول على المياة المعدنية ، لو أن صاحبنا حاول التعرف هو ورفاقه على مصر الأخرى -- وهو يقدر على ذلك لو أراد -- لراجع نفسه قولا وفعلا ولجعل أكبر همه وجل تفكيره وبؤرة تركيزه كيف يتم التوزيع العادل للثروة ؟ وكيف يحصل هؤلاء المحرومون الذين لا يجدون ما ينفقون على نصيبهم من ثروات بلادهم ، هؤلاء الذين يعيشون فى فقر مدقع بينما شركاؤهم فى الوطن ينعمون بمليارات الثراء الحرام ، ثراء غير مبرر أو ربما كان مبرره الوحيد القرب من السلطة والإرتباط معها بوشائج القربى والنسب والشراكة والمصير المشترك ، أصبح أثرياء المال الحرام كالقاطرة التى تجر خلفها عربات المنتفعين بالوضع الراهن ، و أصبح هرم الفساد متماسك الطبقات يشد بعضه بعضا من أسفله إلى أعلى نقطة فيه ، الوظائف المميزة ذات الرواتب العالية حكرا على ركاب قطار الفساد ، وأصبح توريث الوظائف المحترمة جميعها فى الجامعة والقضاء والشرطة والنيابة والبترول والبنوك والضرائب والكهرباء وغيرها حقيقة واقعة وظاهرة ملحوظة ، ولا عزاء ولا مكان للموهبة أو الذكاء أو الكفاءة أو التفوق فى المجتمع الجديد إلا إذا كان صاحبه من ركاب القطار، قبل التصريح المذكور كان المتحدثون بإسم الحكومة والحزب الذى جثم على أنفاس الشعب بدون رغبته يبررون شيوع الفقر بأن السبب الرئيسى هو قلة الموارد وزيادة السكان التى يبالغون فى وصفها حتى أنهم يسمونها أحيانا بالانفجارالسكانى ، رغم أن الواقع يكذبهم والحقيقة تفضحهم وتكشف زيف ما يدعون ، فالموارد كثيرة والموقع عبقرى كما وصفه العظيم جمال حمدان ،فهو يطل على بحرين كبيرين ونهر عظيم يشق طريقه فى طول البلاد لمسافة تزيد عن ألف كيلو متر أضف إلى ذلك العديد من البحيرات الواسعة والثروات الطبيعية من البترول والغاز والأراضى وقناة السويس وغيرها ، لكن الحقيقة التى لا يستطيعون الجهر بها أنهم يعانون نقصا فى الرؤية والإبداع والإبتكار و فقرا فى الموهبة وفشلا فى الإدارة وندرة فى الحب الحقيقى للبلد الذين يتغنون به صباحا مساءا