هكذا دائما للحق أهل وللباطل أهل ، واقتضت حكمة الله نعالي أن يطول الصراع بينهما وتتكرر الجولات ولكن دائما العاقبة للمتقين ، وغالبا ما تكون الغلبة في أول الصراع وبداية الجولة للباطل إذ لا يمكن أن ينتهي الصراع بانتصار الشر وهزيمة الحق ، وكيف يهزم الحق والله سبحانه وتعالي اسمه " الحق " وخلق السموات والأرض " بالحق" ولكن لطول الصراع وانتفاش الباطل وكثرة تطاوله علي الحق و أهله يظن بعض الناس أن هذه هي نهاية الجولات ، و أنه لا يمكن للحق أن يقاوم هذا الباطل فضلاً عن أن يهزمه ويتساءل هؤلاء : كيف لهذه القلة أن تهزم الكثرة ؟ كيف لمن لا يملكون شيئاً أن يهزموا من معهم كل شيء ؟؟!! كيف للمغلوبين علي أمرهم أن يهزموا الغالبين ؟!! متي ستنتصر مباديء الحق إذا كان الباطل يحمي مبادئه وينشرها ويرسخ جذورها ؟!!
وما علم هؤلاء أن هذه هي أمارات هزيمة الباطل وعلامات نهايته ، فالله عز وجل يترك الباطل يهيج وينتفش ثم يجعله حطاماً وفي الأخرة عذاب شديد .
إن قارون لما خرج علي قومه في زينته وأبهته وبهرجته حتي سال لعاب ضعاف النفوس فتمنوا أن يكون لهم مثل ما له – ما توقع أحداً أبداً أن تكون هذه هي النهاية ، وأن تكون لحظة الإستعلاء هي ذاتها لحظة الخسف .
وتتحول الإسطورة التي سرقت الأضواء وسارعت الجموع في السير في رابها إلي عبرة لمن يعتبر وذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد هل توقع أحد من أنصاره أو حتي أعدائه أن تكون النهاية هنا في وقت العلو والعز والجبروت ؟؟ .. يا لها من عظات !!
وهل فرعون لما خرج في جموع قومه متابعاً لموسي ومن معه عازماً علي القتل والتنكيل بهم مصراً بهم إبادتهم كان يتوقع هو أو أحد مِن مَن معه أن تكون هنا النهاية ويُسدل الستار علي البغي والظلم في لحظة الإستكبار والعلو في الأرض بغير الحق ؟؟ !! وهل توقع موسي أو أحد مِن مَن معه أن تكون النهاية سريعة علي هذا النحو ؟؟!! ...يا لها من عظات !!
]فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية .. وإن كثيراً من الناس عن أياتنا لغافلون
فهل انتبه الغافلون ؟!! أبداَ ..لا زالوا بعيدون نفس الكرة ويسيرون نفس الشوط ويسلكون نفس الطريق ، ويقفون من الحق ذات الموقف !!! يا لها من عقول لا تدرك وقلوب لا تفقه !!!
أين الصرح الذي بناه هامان يوماً ما لفرعون حتي يطلع منه علي إله موسي ؟!! هل لا زال الصرح قائماَ بعد هلاك صاحبه ؟! وأين الذي بني الصرح ؟! أين هامان ؟
إنه كان من فرعون وجنوده يطاردون موسي ومن معه من الضعفاء ؟ لقد لقي هامان مصرع فرعون ، ولقي الجنود مصرع فرعون وهامان.. يا لها من عظات!!
]( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين )
وأين أنتم يا أتباع موسي لحظة الغرق ؟ لقد عبرتم آمنين إلي الشاطيء الآخر!!
هكذا في لحظة واحدة يتحول الخائفون الذين سُدت في وجوههم كل الطرق حتي قالوا : ( إنا لمدركون ) إلي آمين ينظرون إليالأجسام تتقاذفها الأمواج .. أين الآن لحظات الخوف التي كانت تملأ نفوسكم وأنتم تسارعون الخطي حتي لا تُدركوا والبحر من أمامكم والعدو من خلفكم ؟ أين هي الآن وأنتم علي الشاطيء الآخر وهذا الذي قال : أنا ربكم الأعلي ، ما علمت لكم من إله غيري
يلفظ أنفاسه الأخيرة يريد أن ينتسب إليكم ولكن هيهات !!
لقد إنتهي الخوف فجأة وأُخذ العدو بغتة .. نعم ( جاء الحق وزهق الباطل )
أيها الفرعون : وأنت تلفظ أنفاسك الأخيرة ما رأيك الآن فيما قدمت يداك ؟! أسعيدُ به ترجوا نفعه ؟!
ماذا بقي معك الآن مما أخذت من أموال الناس بالباطل ؟!
ومن سيمسح عن يديك الدم المهراق ظلماً من رعيتك ؟!
وأنت أيها القارون : كيف أنت الآن لحظة الخسف وأنت تنزل إلي المحاق سحيقة ومعك كل شيء مما أوتيته علي علم عندك؟! أخبرني !!
وأنت أيها الهامان : كيف حال الصرح ؟! هل لا زلت تذكر بنيانه وعلوه ؟ وكيف هي أخبار الأوامر التي كنت تصدرها لجنودك ليتفننوا في إبادة المستضعفين ؟!
]لا زلت تذكرها أم نسيتها ؟!
[]وأنتم أيها الجنود البُله : هل كنتم تظنون أنكم لن تُحاسبوا ؟! فما بالكم أُخذتم كما أُخِذ الأسياد ؟! لماذا لقيتم نفس المصرع ؟ كيف هي أخبار ما قمتم بتنفيذه من تعليمات ؟! ألا تجيبون ؟!
ما بالي لا أسمع صوتاً سواء من الأسياد أو من العبيد ؟!
ما بال فرعون وقارون وهامان والجنود كلهم صمتوا فجأة ؟!! يا لها من عظات
ألا ترون يا جنود الحق كيف هو أخذ الله للظالمين ؟ إن أخذه أليم شديد
وينجي الله الذين آمنوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون
فيا أهل الحق اطمئنوا معكم ( القاهر فوق عباده ) والظالمون هم المقهورون ، معكم ( غالب علي أمره ) وهم المغلوبون ، معكم الذي ( يقضي بالحق ) و ( قوله الحق ) فماذا بقي لكم لتطمئنوا ، وماذا بقي لهم ليعتبروا ؟؟!!!! ]
|