هل تعرفون قصة الرجل الذي وجد نفسه علي صخرة في قلب البحر وحيدًا وضعيفًا وسط عاصفة هائلة تكاد تتحول إلي فيضان ولكنه بكل إيمان وتقوي قال بصوت عالٍ وقوي «إن الله سوف ينقذني»، مرت بعد قليل سفينة اقتربت من الصخرة وقالت له: تعال يا حاج اركب، فقال لهم: لا، إن الله سوف ينقذني، استغربوا ومشوا، ازدادت العاصفة وارتفع الطوفان لكن من بعيد لاحت غواصة تخرج من أعماق البحر ونادي قبطانها علي الرجل: تعال يا أخ اركب، فقال لهم بإباء وشمم: لا، إن الله سوف ينقذني، مرت فترة رهيبة وكاد يموت فيها من الرعب والذعر والمطر والأمواج والريح لكن طائرة هليكوبتر ظهرت فوقه بأزيزها وصوت مروحتها الهادر ونادته بينما ينزل منها سلم من الحبال: اصعد معنا يا عم، فقال وهو يتكتك ووجهه أزرق وحالته علي وشك الموت: لا، إن الله سوف ينقذني، رحلت الطائرة وابتعدت واشتدت العاصفة وارتفع الطوفان وسقط الرجل في البحر وصرخ باكيًا وهو يغرق: إن الله غاضب مني لهذا لم ينقذني، فإذا به يسمع صوتا كالرعد يملأ البحر: ربنا بعتلك إنقاذ ثلاث مرات ورفضت يا غبي!
هذه القصة تكاد تشرح لي ما نعيشه وتلخص لي لماذا تحولت مصر إلي ضيعة ضائعة! فهذا التدين المغشوش هو المسيطر علي المجتمع الذي تحول إلي تدين وهمي بلا عقل ولا منطق محكوم بالتواكل والخرافة وغياب المنطق وسيادة العشوائية وروح الاستسلام، مجتمع مضروب علي ظهره وقفاه من حكامه وحكومته مسلوب الحق ومهدور الكرامة، ومع ذلك فإن مقاومته الوحيدة هي الغطس في نوع من التدين يكفل له إحساسًا زائفًا بالإيمان وفي نفس الوقت تبريرًا كافيًا للاستسلام والسلبية والتواكل، مجتمع يفتقد العلم والتخطيط والإتقان ثم يحسب نفسه متدينًا مؤمنًا، والحقيقة أن هذا المرض لا ينفرد به المحكوم بعيدًا عن الحاكم بل هو فيروس يضرب في عروق الجميع، مصر كلها تمسك السبحة لتسبح وهي تسرق وترتشي وتبصبص وتتحرش وتكسر إشارة المرور وتغمز العسكري بعشرين جنيهًا، وهي تزور الانتخابات وتغش في الامتحانات، كل بلاوينا نرتكبها تحت ستار دخاني ضبابي من التدين القشري الشكلي، ففي مكاتب ضباط التعذيب في الأقسام أو السجون تلاقي المصحف وإذاعة القرآن الكريم شغالة أو التليفزيون مضبوطًا علي قرآن قناة «المجد»، ومنافقو السياسة من عتاولة الحكم والحزب لا يتركون فرضًا إلا صلوه ولا عمرة إلا ذهبوا إليها ولا حجًا إلا واستطاعوا إليه سبيلا، شعب متدين لا يترك سيارة يقودها بدون تشغيل شرائط القرآن والمصحف علي التابلوه والآيات القرآنية علي ظهر العربية ومع ذلك يسوق بغشم وبقلة ذوق وبلامبالاة وبعدوانية، حتي إنه في الوقت الذي يزداد فيه التدين القشري ويتسع من عام 1990 إلي 2007 يزداد معدل القتل في حوادث السيارات أكثر من خمسة وثلاثين في المائة عن السنوات السابقة طبقًا لإحصائيات مجلس الوزراء نفسه، ويموت في 22 ألف حادثة سنويًا ثلاثة وستون ألف قتيل لنتصدر أعلي دول العالم من حيث قتلي الطرق، هل هناك أكثر تدينًا من سياراتنا علي الطريق التي لا نمشي بها خطوة قبل أن نتبرك بسماع القرآن فيها ووضع المصحف داخلها؟! ومع ذلك فهي تكشف عن مدي الفصام بين تدين معتمد علي الشكل وتدين معتمد علي العقل والمنطق والتروي والالتزام!!
يقودنا الفهم الخاطئ للتدين إلي مصائب لا ندركها من فرط تديننا الخاطئ، والأمر كله يعود ويذكرني بقصة الرجل الذي وقف في الميدان وسط عشرات الناس وهو يحلف أن الله سوف يمنحه جائزة البخت الأولي ويربح مليون جنيه لينهي كل مشاكله، ظهرت نتيجة البخت في الشهر الأول ولم يكسب لكنه لم ييأس ووقف في نفس الميدان يقسم أن الله لن يتخلي عنه وسوف يرزقه جائزة البخت لكنه لم يكسب أيضًا في الشهر الثاني، كل شهر يقف الرجل الوقفة نفسها ويؤمِّن الإمان نفسه أن الله لن يخذله أبدًا وسيكسب البخت، لكن بعد سنة كان الأمل يتسرب منه واليأس يأكله فوقف في قلب الميدان يصرخ: كده يارب تخذلني ولا تقف معي ومتكسبنيش البخت ، لكن صوتًا ضخمًا انطلق من ميكروفون يخاطبه: يا أخي خوت اللي خلفونا، منين عايز ربنا يكسبك البخت يا حمار وإنت مشترتش تذكرة أصلا!