كنت عائدا من مدينة كفر الشيخ حوالي الساعة الواحدة صباحا حيث ندرة الركاب فى هذا الوقت المتأخر, وظللت اركب السيارة وحدي حتى لاح فى الأفق ثمانية أخوة كلهم ملتحون ومقصرون ثيابهم يلبسون طاقيتهم البيضاء الناصعة ..
ولما وصلوا الى السيارة وضع السائق شريطا به اغانى يسمعها , فبادروا السائق كلهم بالحديث عن حرمة الغناء , وكان أكثرهم حديثا ( الشيخ احمد ) وأورد نقولا عن بعض العلماء فى المسألة وانتهى فى حديثه إلى أن (مستمع الغناء فاسق ومستحله كافر ) ,- وكانوا جميعا قد جاؤا ليودعوا احدهم حتى يركب السيارة المتجهة إلى دسوق معى أما هم فسيعودون – ولما همّوا بالانصراف نزلت من السيارة وناديتهم ودار بينى وبينهم هذا الحديث :-
أنا : جزاكم الله خيرا على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
هم : وجزاك مثله , حضرتك أزهري ؟
أنا : مجنّس , اقصد اننى تعليم عام وحصلت أيضا على مؤهل ازهرى (فضحكوا ) , ولكنى أريد ان أسألكم عن شىء
هم : تفضل حضرتك
أنا : هل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون لأناس دون آخرين ؟
هم : لا لا بل لكل الناس
أنا : لما رايتكم كلكم تحدثتم مع السائق عن الغناء بهذا الشكل المفصل والمطول تذكرت أناس مثلكم متدينين ملتحين يظهرون فى الفضائيات – تقريبا فى قناة الناس وقناة الحكمة –
هم : مشايخنا ( الشيخ أبو اسحق والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ محمد حسان )
أنا : تمام هؤلاء , لا اسمعهم أبدا يتحدثون فى الشأن العام وهموم الناس
هم : ماذا تقصد بالشأن العام يا شيخ
أنا : ما فيه البلاد من أزمات - من غلاء للأسعار مثلا-
الشيخ احمد : بالعكس الشيخ إبراهيم هذا انتهى من إلقاء درس الآن فى المسجد حول الغلاء
أنا : ماذا قلت يا شيخ إبراهيم بارك الله فيك ؟
الشيخ إبراهيم : رددت كل شيء لأصله
أنا : كيف ؟
الشيخ إبراهيم : أن السبب فى الغلاء وما فيه الناس من بلاء بسبب معاصي الناس وذنوبهم
أنا : فقط ؟
الشيخ إبراهيم : نعم ( ولو أن أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )
أنا : وأهل القرى هؤلاء ليس فيهم الحكام أو القائمون على الأمر عموما ؟!
الشيخ إبراهيم : ماذا تقصد ؟
أنا : اقصد أليس لهؤلاء اى شان بهذه ألازمات من سوء إدارة مثلا , أو نهب للمال العام أو على الأقل إهداره , أو إشاعة للرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن – التى سببت المعاصى التى تحدثت عنها حضرتك – مثلا مثلا يعنى ؟إإ
الشيخ إبراهيم : الشعوب هى السبب بمعاصيها
أنا : سبحان الله إإ الشعب المغلوب على أمره عليه كل منقصة والحكام لهم منكم كل منقبة ؟إإ
الشيخ احمد : فهمنا ألان ما تريد أن تجرنا للحديث فيه
أنا : وما هو ؟
الشيخ احمد : الخروج على الحاكم
أنا : ما معنى هذا المصطلح ( الخروج على الحاكم ) وما علاقته بحديثنا الآن ؟إإ أولا الحاكم فى الإسلام من استمد شرعيته من أمرين أساسيين الأول أن يقوم بحراسة الشريعة الإسلامية وتطبيقها ورعاية حدودها والدفاع عنها , والثانى ان تختاره الأمة اختيارا حرا فهل هذان الشرطان متحققان ؟إ
الشيخ احمد : والخروج ؟
أنا : الخروج يا شيخ قوة مسلحة تحاول إسقاط الحاكم الشرعى فهل لهذا وجود الآن ؟إإ إذا نحن نناقش أحكام فى الفراغ الآن ليس لها وجود إإإ
وهل انتم الآن كنتم خارجين على السائق لما نصحتموه ؟؟إإ هذا منطق عجيب أن تعتبروا أن اى معارضة سلمية للحاكم ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) خروجا عليه إإإ فمتى نُسمعهم كلمة الحق إذا ؟؟إإ
الشيخ احمد : مشايخنا حفظهم الله نبهوا علينا : لا تخاطبوا الحكام إلا بأفضل عبارة وأليق إشارة
أنا : مشايخكم ينبهوا بما شاءوا لكن ما رأيكم فى الحديث الذى رواه عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيت امتى تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها ) ؟إ
الشيخ احمد : الحديث صحيح
أنا : لست أسالك عن درجته ولكن عن معناه
آخر : وما يمنعك أن تذهب إليه وتأمره وتنهاه بلطف ؟
أنا : أكيد حضرتك تمزح ؟إإإإ حضراتكم من أين ؟
هم : من العقولة وبقلولة
أنا : يعنى من مصر إإإإإ , وكيف اصل إلي ولى الأمر ؟ وعموما إذا كان بامكانك أن توصلني فهيا بنا ولن أكلفك عواقب الأمر والنهى , ما رأيكم فى الحديث ( سيد الشهدء الحمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله ) ؟إ
الشيخ احمد : دراستك فى الأزهر أثرت على استشهادك بالنصوص
أنا : وكيف يكون الاستشهاد الصحيح ؟؟إإ
الشيخ احمد : نحن لا نتحدث فى السياسة ولن نتحدث فيها لعن الله ساس ويسوس
أنا : دع عنك هذه الأسماء , ماذا تقصد بالسياسة ؟
الشيخ احمد : الكلام عن الحكم
أنا : ألم يقل المعصوم صلى الله عليه وسلم ( تنقض عرى الإسلام عروة عروة فأولها الحكم واخرها الصلاة ؟ اذا فالحكم من عرى الإسلام بل هى من أوثقه لان نقضها سياتى على ما بعدها حتى يصل لأخر شىء وهو الصلاة , وما شكل الإسلام الخالى من الحديث فى هذا ؟؟إإ
الشيخ احمد : الكثير
أنا : تقصد الحديث فى الرقائق والعبادات ؟أو من إذا الذى سيطبق الحدود أنا وأنت ؟إإ من سيحارب الأعداء ويجهز الجيوش أنا وأنت ؟إإ من سيعقد المعاهدات مع الأعداء أو الأصدقاء أنا وأنت ؟ من سيُعنى بإصلاح الشان العام أنا وأنت ؟ من سيحدد سياسة التعليم والمناهج الدراسية للطلاب أنا وأنت ؟؟إ من سيحدد الدول التى سنتعامل معها بالتبادل التجارى أو التكامل الاقتصادي أنا وأنت ؟؟إإ من سيحقق للناس مبادىء الإسلام العامة من حرية وشورى وعدالة ومساواة أنا وأنت ؟؟إإ من يوقف إشاعة الفاحشة فى الذين امنوا فى الفضائيات والصحافة أنا وأنت ؟؟إإ من سيحدد السياسة الزراعية لنكتفى بالقمح مثلا بدلا من اللب أنا وأنت ؟؟إإ من الذى يفرض الضرائب كل يوم لترهق كواهل المطحونين ؟ من المسؤل عن المبيدات المسرطنة التى أُدخلت البلاد فأصابت الناس بمقتل فى الكبد والكلى وغيرها ؟
الشيخ احمد : لاتنفعل نحن نتحدث بهدوء
أنا : حاضر ولكن عندى سؤال
الشيخ احمد : تفضل
أنا : أليست الشريعة الإسلامية من الدين ؟؟إإ
الشيخ احمد : يا شيخ طبعا
أنا : فأين مطالبتكم بتطبيقها ؟إ
اثنين منهم : نحن نربى جيلا أولا
أنا : معنى هذا أنكم تؤجلون المواجهة مع الحكام إلى حين ؟إ
هم : .........
أنا : وعلى اى شيء ستربونهم ؟ إنهم سيكونون مثلكم يعتبرون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للحاكم خروجا عليه
آخر : هل تحفظ شيئا من كتاب الله ؟
أنا : الحمد لله , واحفظ سورة القصص التى قص الله فيها نموذج الاستبداد السياسى المتمثل فى فرعون ( ما أريكم إلا ما أرى ) نموذج الفساد المالى المتمثل فى قارون ( إنما اوتيته على علم عندى ) وعندنا فى مصر تزوج الاستبداد الفساد , فكل قانون سياسى يجمع لهم المال وكل إنفاق منهم يوطد لهم الحكم
الشيخ احمد (مقاطعا ):لماذا لا تحاول حفظ بقية كتاب الله وطالما انك ازهرى أكيد حفظته وفى الحديث : عرضت على ذنوب امتى فلم أجد ذنبا اعظم من الرجل أوتى السورة او السورتين أو الآية أو الآيتين فنسيها
أنا : أحاول إن شاء الله
السائق : ياله يا افندى العربية حمّلت خلينا نمشوا
هم : سعدنا بلقائك
أنا : وأنا أكثر سعادة
ولما ركبت السيارة أصروا كلهم على دفع الأجرة لى فشكرتهم ولكنهم أصروا بأدب شديد وبالفعل دفعوا
وناداني احدهم :عاوزين نلتقى تانى يا شيخ , فقلت له ان شاء الله . ثم استودعتهم الله وانطلقت السيارة